ما هو اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)

يُصنّف ضمن الاضطرابات العصبية السلوكية، ويتسم بمشكلات في الانتباه، وفرط النشاط، والاندفاعية، بدرجة تتجاوز الحدود الطبيعية للعمر. غالبًا ما تُلاحظ العلامات الأولى في مرحلة الطفولة، خصوصًا في المدرسة، حيث يواجه الطفل تحديات في التركيز لفترة طويلة والالتزام بالقوانين.

هذا الاضطراب لا يرتبط بمستوى الذكاء، لكنه قد يؤثر على النجاح الأكاديمي والاندماج الاجتماعي. ومع التشخيص الصحيح والعلاج المناسب يكون التنبؤ إيجابيًا، خاصة عند التدخل المبكر.

أسباب اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

الاستعداد الوراثي

لم يعد المتخصصون يعتبرون هذا الاضطراب نتيجة "سوء التربية" أو ضعف الانضباط، بل هو إلى حد كبير سمة وراثية في عمل الدماغ. إذا عانى الوالدان أو الأقارب من مشكلات مماثلة، تزداد احتمالية إصابة الطفل بالاضطراب عدة مرات.
تشير مراجعة واسعة نُشرت في Lancet (المملكة المتحدة، 2016) إلى الدور الكبير للعوامل الجينية. كما أكدت دراسات دولية في Molecular Psychiatry (الولايات المتحدة – السويد، 2019) أن بعض الجينات تؤثر على مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه وضبط السلوك. واستنتج باحثون من ألمانيا وهولندا في 2018 (European Child & Adolescent Psychiatry) نتائج مشابهة.

العوامل البيولوجية والبيئية

إلى جانب الوراثة، قد تساهم عوامل أخرى في ظهور الاضطراب مثل:

• مضاعفات أثناء الحمل والولادة؛

• الولادة المبكرة؛

• التعرّض للسموم (مثل الرصاص)؛

• إصابات الدماغ؛

• ظروف بيئية غير ملائمة.

هذه العوامل قد تؤثر على تطور الجهاز العصبي وتزيد من شدة أعراض تشتت الانتباه أو فرط النشاط.

تصنيف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

وفقًا للأنظمة التشخيصية، هناك ثلاثة أنواع:

• النمط غير المنتبه — الصعوبة الرئيسية هي ضعف التركيز، كثرة النسيان، وعدم التنظيم.

• النمط المفرط النشاط–الاندفاعي — يتغلب عليه القلق الحركي، النشاط المفرط، والأفعال الاندفاعية.

• النمط المختلط — يجمع بين سمات النمطين السابقين وهو الأكثر شيوعًا.

هذا التصنيف يساعد الأطباء في اختيار طريقة العلاج والتنبؤ بتطور الحالة في المستقبل.

الأعراض والعلامات

يظهر الاضطراب في ثلاث مجالات رئيسية:

• تشتت الانتباه — صعوبة في الحفاظ على التركيز، إتمام المهام، وتنظيم الأنشطة؛ ارتكاب أخطاء بسبب الإهمال؛ فقدان الأغراض؛ صعوبة اتباع التعليمات.

• فرط النشاط — عدم القدرة على البقاء هادئًا لفترة طويلة، حركة مستمرة، الحاجة للنهوض أثناء الأنشطة، مقاطعة الآخرين. يظهر بشكل أوضح عند الأطفال، بينما عند البالغين يتجلى في صورة قلق داخلي.

• الاندفاعية — أفعال متسرعة، مقاطعة الحديث، صعوبة انتظار الدور. يؤثر ذلك على العلاقات الأسرية، المدرسية، والعملية.

عند الأطفال

الأعراض تكون أوضح وغالبًا ما تدفع الأهل للبحث عن مساعدة:

• تشتت الانتباه: صعوبة في أداء الواجبات المنزلية، النسيان، ضعف التركيز.

• فرط النشاط: حركة مستمرة، قلق، عدم القدرة على الجلوس طويلًا.

• الاندفاعية: نفاد الصبر، ردود فعل مفاجئة، صعوبة الالتزام بقواعد التواصل.

تؤدي هذه السمات إلى ضعف التحصيل الدراسي، صعوبات اجتماعية، وتدني تقدير الذات.

عند البالغين

مع العمر، تقل المظاهر الحركية، لكن تبقى المشكلات الداخلية والمعرفية:

• التسويف المزمن وصعوبة البدء بالمهام؛

• ضعف إدارة الوقت، التأخر المستمر وعدم الالتزام بالمواعيد؛

• هشاشة أمام الضغط والإرهاق؛

• صعوبة في الحفاظ على العلاقات المستقرة؛

• شعور دائم بالقلق وعدم القدرة على الاسترخاء.

كثير من البالغين يلجأون إلى استراتيجيات تعويضية مثل الجداول الصارمة، المخططات، أو خلق مواعيد نهائية مصطنعة، لكنها لا تلغي أعراض الاضطراب بشكل كامل.

الفرق بين ADHD وتشتت الانتباه العابر

انخفاض التركيز بسبب البيئة

• يظهر غالبًا عند وجود عوامل تشتيت كثيرة؛

• يمكن الحفاظ على التركيز عند تهيئة بيئة مناسبة؛

• السبب سلوكي مرتبط بالاعتياد على التنقل السريع بين المحفزات.

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

• الصعوبات موجودة في مختلف مجالات الحياة حتى في بيئة هادئة؛

• الأعراض مستمرة ولا ترتبط بظروف محددة؛

• السبب عصبي يرتبط بتنظيم الدوبامين.

"الدوبامين السريع": بين العادة والحاجة البيولوجية

عند الأشخاص الأصحاء، السعي وراء المحفزات السريعة (وسائل التواصل، التنبيهات، مقاطع الفيديو القصيرة) يرتبط بالعادات السلوكية.

أما عند المصابين بـ ADHD، فالحاجة للمحفزات المتكررة ناتجة عن طبيعة فسيولوجية، إذ تساعد على الحفاظ على الدافعية وتعويض نقص المكافأة الداخلية.

تشخيص اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

المعايير التشخيصية (DSM-5، ICD-10)

يُشخّص الاضطراب بناءً على:

• وجود أعراض التشتت و/أو فرط النشاط–الاندفاعية؛

• استمرار الأعراض أكثر من ستة أشهر؛

• ظهورها منذ الطفولة؛

• تأثيرها على التعليم، العمل، أو العلاقات الاجتماعية.

طرق التشخيص

تشمل المقابلة السريرية، الاختبارات النفسية، الملاحظة المباشرة، استبيانات للأهل والمعلمين. أحيانًا تُستخدم الفحوص العصبية النفسية لتقييم عمل الدماغ.

أسئلة شائعة حول ADHD

• هل يقتصر الاضطراب على الأطفال؟
  لا. يبدأ في الطفولة لكن يستمر لدى معظم البالغين بدرجات مختلفة.

• هل يمكن أن يختفي مع العمر؟
  قد تخف بعض الأعراض، خاصة فرط النشاط، لكن صعوبات الانتباه والتنظيم والاندفاعية غالبًا ما تبقى.

• كيف نفرق بينه وبين التعب أو الضغط النفسي؟
  عند التعب أو التوتر، يكون ضعف التركيز مؤقتًا ويزول مع الراحة، بينما في ADHD الأعراض مستمرة وتشمل جميع مجالات الحياة.

• هل الأدوية وحدها تكفي؟
  الأدوية فعّالة لكنها غالبًا تُستخدم مع العلاج النفسي، الاستراتيجيات السلوكية، وتعديل نمط الحياة.

• هل هو "تشخيص عصري"؟
  تزايد الحديث عنه سببه رفع الوعي وتحسن التشخيص، وليس "الموضة". كثير من البالغين في السابق لم يُشخّصوا بشكل صحيح.

• هل يمكن الشفاء التام؟
  كونه اضطرابًا عصبيًا بيولوجيًا، لا يمكن علاجه نهائيًا، لكن يمكن تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة بشكل ملحوظ.

علاج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

العلاج الدوائي

يُستخدم لتحسين عمل النواقل العصبية، ما يساعد على ضبط الانتباه والسلوك. يتم اختيار الدواء بشكل فردي تحت إشراف طبيب أعصاب.

العلاج النفسي والسلوكي

فعّال خصوصًا العلاج المعرفي–السلوكي، تدريب الأهل، والعمل مع الأخصائي النفسي لتنظيم الروتين.

تعديل نمط الحياة والسلوك

يساعد الروتين اليومي المنظم، النشاط البدني، وتقليل عوامل التشتيت. من المهم مراعاة عمر المريض وتقديم الدعم في المنزل والمدرسة.